تحميل كتاب برهوت pdf للباحث صالح بن عبداللاه بلفقية حصريا ولأول مرة على الانترنت
المقدمة
الحمد لله الذي منَّ علينا بالهداية و الإيمان
و أكرمنا بالعافية في العقول و الأبدان
و امتن علينا بأكرم رسول و خير كتاب
, و جعلنا بفضله في خير أمة
أخرجت للناس فلله الحمد عدد خلقه
ورضا نفسه وزنة عرشه و مداد كلماته
, وأصلي وأسلم على حبيبنا و شفيعنا
محمَّد صلى الله عليه و على آله وصحبه وسلم
, أرسله بالآيات البينات و المعجزات المتجددات
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد : فحين بلغني قوله
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم :
« خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم
فيه طعام من الطُعم و شفاء من السقم
و شرُّ ماء على وجه الأرض ماء بوادي بَرَهُوت
بقُبَّة ( أو بقِيَّة ) بحضرموت
, عليه كرِجل الجراد من الهوام
, تصبح تدفق و تمسي لا بلال بها »
لم يسعني إلا المسارعة
في التحقق من صحة ثبوته
و البحث عن تفسير ما جاء فيه :
( القُبَّة - البقيَّة – ورجل الجراد –
و تصبح تدفق – و تمسي لا بلال بِـها )
وبدت و كأنَّـها إشارات
تحمل في ثنياها إعجازاً و تحدياً
و يحتاج إلى بيان عظمته
وكشف وجه الروعة و الدقة في وصفه
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
و سأحاول في هذا البحث إماطة اللثام
عن بعض معانيه الغامضة
التي يمتن الله عليَّ بالوصول إليها
و مما أشعل في قلبي حماسة الوقوف
على مغارة بَرَهُوت البغيضة
و ولوج دهاليزها المخيفة
ما سطره الحافظان الجليلان أبو عبدالله الذهبي
و أبو الفداء ابن كثير في ترجمة أحد سادات التابعين
و أئمة المفسرين مجاهد بن جبر المكي – رحمه الله –
لقد جاء من بعيد ليقف بنفسه على أعجوبة بَرَهُوت
لقد سبقني إلى بَرَهُوت التي يُقال
عنها أنَّـها مثوى أرواح الكفار
و إمام في العِلم و التقوى
ولعل الذي دفع الإمام مجاهد
و دفع كاتب السطور إلى الذهاب إلى بَرَهُوت
أمر واحد ،هو إثارة العرض النبوي المعجز
في الحديث السابق ،إذ كان مجاهد أحد رواته .
هناك مغامرتان شهيرتان حاولتا كشف النقاب عن غموض بَرَهُوت :
الأولى للعلامة الرَّحالة : محمَّد بن عقيل بن يحيى باعلوي الحضرمي
سنة 1331هـ / 1913م و خلص منها إلى :
أنَّ بئر بَرَهُوت مغارة بركانية المنشأ
ثم صارت ممراً للسيول
و بعد أن سدَّتها أتربة السيول أمست مأوى للخفافيش و الثعابين .
و المغامرة الثانية للمستشرقين الهولندي ( فاندر ميولن ) و الألماني ( فيسمان ) وصحبهما السَّـيِّد علي بن محمَّد العطاس
سنة 1350هـ / 1931م
وقد دون ( ميولن ) الرحلة و رسم ( فيسمان ) خرائطها
و توصلا إلى أنَّ : بئر بَرَهُوت مغارة جيرية مثالية
لقد جاء بن يحيى و ميولن إلى بَرَهُوت
على خلفية رواية المسعودي ( ت 346 )
و وصفه البركاني للبئر كما ذكرا
وخرجا من البئر و هما يرددان خطأ وصف المسعودي
وبُعده عن واقع البئر
و لم أجد في بحثهما أية إشارة للحديث النبوي
وقراءة ما كتباه و شاهداه لا يكفي لفهم مدلول الحديث
وناهيك عن الخطأ الذي وقعت فيه
بعض مصادر التاريخ الحضرمي في نقل أبعاد البئر عن المستشرقين
وقد أوردت دائرة المعارف البريطانية – نقلاً عن أهالي بَرَهُوت -
أبعاداً أخرى غريبة عن واقع بَرَهُوت
و المشهور أنَّ بَرَهُوت بئر
وفي الموضع المعروف مغارة جافة
وهذه إشكالية ذهبت ببعض المعاصرين بعيداً
فشرَّقُوا إلى بئر الكسفة العميقة
الموحشة في المهرة
وغرَّبوا إلى بحيرة شواران البركانية
المخيفة في بئر علي
بل ذهب بعض المتقدمين إلى أبعد من ذلك
فألقى بئر بَرَهُوت في قعر عدن
و في الروايات المسندة القديمة ذِكر لماء
و عين ماء و بئر وسبخة و ظافر وقُبة و قِبَّة
وشِعب و واد وبلد بَرَهُوت
و أنَّـها تقع في حضرموت
وهذه هي حضرموت فأين هي بَرَهُوت ؟
و هناك تساءل أولي عن طبيعة بَرَهُوت ذاتها
هل بَرَهُوت بركان أم بئر أم عين ماء ؟
هذه تساؤلات ستحاول الدراسة التي بين يديك الإجابة عنها
كما ستبحث في صحة القول بأنَّ بَرَهُوت
مستقر أرواح الكفار و العُصاة
و ستطل بك من نافذة التاريخ على ماضي بَرَهُوت
و ستجول بك في عالم الأساطير و السحر
و الشعوذة لتلاحق ما يقال فيها عن بَرَهُوت
و في الدراسة تصوير لواقع مغارة بَرَهُوت
في وادي حضرموت كما خطتها أقلام الواقفين عليها
و سيسجل الباحث مشاهداته لمغارة بَرَهُوت في الفصل التاسع .
وقد خصصت الحديث النبوي السابق
الذي جاء فيه وصف بَرَهُوت بمزيد عناية
وأثبت ما جاء عن بَرَهُوت عند الأُمم السابقة
و الحضارات البائدة و المذاهب الأخرى
بل استدعيت الكثير مما قيل عن بَرَهُوت
ولو كان مما يظهر زيفه و بطلانه
كالذي في البرهته و الأساطير
وذلك لرسم صورة لبرهوت تتجاوز حدود
الواقع المادي المحسوس
لتشمل صورة بَرَهُوت في أذهان الخاصة
و العامة القريبين من أرض بَرَهُوت
و البعيدين عنها في الماضي و الحاضر
وما استقر في قلوبهم من معتقدات غيبية
تتصل ببرهوت من قريب أو بعيد
كتلك التي عند الفراعنة و اليونانيين
و الرُومان و عرب الجاهلية
و
المسلمين و ما عند الإمامية و غيرهم .
ولن يكتفي الباحث بجمع ما قيل عن بَرَهُوت
في التاريخ و الحديث و اللغة و التفسير و الأخبار
بل سيبحث في صحة سند تلك المرويات
ويتناول مضمونها بالشرح و النقد
مثل رواية وصول مجاهد
والبحث في عِلَّة الشريَّة في ماء بَرَهُوت
وعِلَّة الحكم بكراهية التطهر بماء بَرَهُوت
وكذا السعي للوقوف على المصادر الأصلية
مثل ما دونه الرَّحالة بن يحيى
و ميولن عن بَرَهُوت و قد أثمرت جهود الباحث
في العثور على نسخة خطيَّة من لرحلة بن يحيى
كتبها بخط يده
وكذلك النسخة الانجليزية من كتاب ميولن
التي طبعت عام 1964م
وسينتقل الباحث من الميدان النظري
إلى الميدان العلمي الذي تضمن زيارته
لبحيرة شوران بمحافظة شبوة
والقيام بأربع رحلات استكشافيَّة
لمغارة بَرَهُوت في وادي حضرموت
و سبر غور المغارة في كُلُّ رحلة من الرحلات الأربع
مع الاستعانة بالأجهزة الكهربائية و الرقميَّة
و الاستفادة مما أتاحته الأقمار الصناعية من معلومات جغرافية
وكذا استخدام جهاز ليزري في قياس المسافات
و جهاز قياس الرطوبة
واستخدام جهاز GPS لأخذ الإحداثيات و الارتفاعات
وكذا استخدام أجهزة إضاءة خاصة
وشمل الميدان العلمي بحثاً عن نقوش في منطقة بَرَهُوت
وقد أفلحت الجهود التي بُذلت بمؤازرة
الأخوة رفقاء الرحلة الثانية و الثالثة
في العثور على نقش بئر باعباد
الذي وصفه بن يحيى و سيقدم الباحث قراءة لهذا النقش
و لنقش آخر عَثَر عليه الأهالي في منطقة بَرَهُوت
وشمل الجانب العلمي أيضاً إجراء العديد من التحاليل
المختبرية في مختبرات التحاليل الكيميائية
والمختبرات الجيولوجية في وزارة النفط و المعادن بصنعاء
لعينات جمعها الباحث من مغارة بَرَهُوت
وستعرض الدراسة نتائج تلك التحاليل
كما ستقدم تفسيراً جيولوجياً محتملاً
لكيفية تكوين مغارة بَرَهُوت الفريدة
وسيُضمَّن البحث ما أسفرت عنه مقابلات
الباحث مع أهالي بَرَهُوت وشوران
وشهود عيان لبئر الكسفة
وإفادات الساحر التائب داود فرحان عن بئر بَرَهُوت .
وسأجمل في ختام هذه الدراسة ما خلصت إليه
من استنتاجات وما أميل إليه من ترجيحات
وجل تلك الآراء عرضتها في محاضرة
(( بَرَهُوت بين الحديث الشريف و الواقع ))
التي ألقيتها في منتدى جماعة أُدباء تريم
في شهر ربيع الثاني سنة 1427هـ / مايو 2006م
ثم في فرع اتحاد الأُدباء و الكتاب اليمنيين بمدينة المكلا
في شهر جمادى الأولى سنة 1427هـ / يونيو 2006م .
وفي الختام ... تقبل أخي القارئ الكريم عُذري
سلفاً فمثلي يتيه فيما دون تيه بَرَهُوت بمراحل
فكيف ببرهوت التي يلفَّها الغموض
و تحُفَّها الغيبيات , و تقف على عتباتها الفزَّاعات
إن بَرَهُوت غامضة و ستظل
غامضة حتى تكون بَرَهُوت ...
وعزائي أني بذلت ما في وسعي
فإنَّ أصبت في شيء مما كتبته فبتوفيق الله و فضله
وإن أخطأت
فمن نفسي والشيطان .
سبحانك الله وبحمدك
أشهدُ ألا إله إلا أنت
أستغفرك و أتوب إليك
﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة/127]
صالح
بن عبداللاه بن حسن بالفقيه
اليمن
– حضرموت – تريم
13
شوَّال 1432هـ الموافق : 11/9/2011م
رابط تحميل الكتاب اضغط هنا