خراب المدينة وخلوها من السكان والزائرين
حُصولُ الزلازِلِ والخسفِ وهلاكُ بعض البِلادِ
ومِن علاماتِ
الساعةِ الصُّغرى، التي يأتي بعضُها خِلالَ مراحِلِ العلاماتِ الكُبرى الأخيرةِ، هلاكُ بعضِ المُدُنِ
والعواصِمِ، ومنها المدينةُ المُنَّورةُ، وهلاكُها
كما يظهرُ مِن ظاهِرِ الأحاديثِ حُصولُ كارثةٍ طبيعيةٍ - كما تُسمَّى – أو عِدَّةِ
كوارِثَ كالزلازِلِ التي تُفاجِئُ أهلها ؛ فيضطرون إلى الخُروج مِنها، وهي أحسنُ ما
تكون، وفيها وردَتْ جُملة من الأحاديثِ، منها :
صحيح ابن حبان.
« لتُتركَنَّ المدينةَ على أحسنِ ما كانَت، حتى
يجيءَ الكلبُ على ساريةٍ من سواري المسجِدِ أو على عُودٍ من أعوادِ المنبرِ» ،
فقالوا : يا رسولَ الله، لمن تكون الثمارُ يومئذٍ ؟ قال : « لِلطَّيرِ
والسِّباعِ » صحيح ابن حبان.
وروى الإمامُ أحمدُ عن مِحجَنِ بنِ الأذرع رضي
اللَّه عنهُ إنَّه صعِدَ مع رسول الله ﷺ أُحدًا، فأقبل على المدينةِ فقالَ : « ويلُ
أُمِّها، قريةٌ يدعها أهلها كأينعِ ما تكون » . مسند أحمد
وفي لفظٍ : « ويلُ أُمِّكِ ، يدعُكِ أهلُكِ وأنت
خيرُ ما تكونين ». المعجم الكبير للطبراني
قالَ : قُلتُ : يا رسول الله مَن يأكُلُ ثمرتها ؟ قال : « الطَّيرُ
والسِّباعُ » . مسند أحمد
وروى أحمدُ بسندٍ حسنٍ عن عمرِ بن الخطَّابِ رضي
اللَّه عنهُ، أنّ رسولَ الله ﷺ قال : « ليسيرَنَّ راكِبٌ في جنبِ وادي المدينةِ
فيقولَنَّ : لقد كانَ في هذه مرَّة حاضِرةٌ من المؤمنين كثيرٌ » . مسند أحمد
قُلتُ والله أعلمُ : ومِثلُ هذه الظواهِرِ
مربوطةٌ في جُملةِ الأحاديثِ بما يقع فيه الناسُ مِنَ الكبائرِ وفعلِ المعاصي مِنَ
الظُلمِ والفُحشِ وأكل الرِّبا والقتلِ و غيرِه، وقد عرفَ العالمُ الإنسانيُّ والعالمُ
العربيُّ والإسلاميُّ عبر الأزمنةِ المُتلاحِقةِ مِن هذه الرجفاتِ والزلازلِ الشـيءَ
الكثيرَ، ومِنها البراكينُ التي تنفجِرُ بَينَ الحينِ والآخر ولكنَّها في علاماتِ الساعة
مقرونةٌ في عالمِنا العربيُّ والإسلاميُّ بظُهورِ المعاصي واستِخفافِ الشُّعوبِ بالديانةِ
والأمانةِ، وإلى ذلك تُشيرُ الأحاديثَ كقوله ﷺ في رِوايةِ البُخاريِّ : « وحتى يُقبَضَ
العِلمُ ، وتكثُرَ الزلازِلُ، ويتقاربَ الزمانُ ، وتظهرَ الفِتَنُ ، ويكثُرَ الهَرْجُ
، وهو القتلُ » صحيح البخاري.
قال الحافِظُ الغماريُّ في « مُطابقةِ
الاختراعاتِ العصريةِ » (ص۱۱۱) بعدّ إيرادِه
هذا الحديث : وقد وردَ أن سببَ كثرةِ الزلازِلِ في الأرضِ هو الرِّبا وكثرةُ المُعاملةُ
به و أكلُه » تاريخ المدينةِ لابن شبة.
وقد سجَّلَت أجهِزةُ الأرصادِ في جزيرةِ العربِ
عُمومًا جُزءًا مِن سلسلةِ الزلازِلِ والرجفاتِ عبرَ تاريخنا المُعاصِرِ ، رُبَّما
كانَ من آخِرِها زلازلٌ حصلَت في منطقةِ العيسِ قريبًا من المدينةِ المُنوَّرةِ
خِلالَ شهرِ جُمادى الأوّلِ ١٤٣٠هـ، ويبدو واللهُ أعلمُ أنَّ التفسيرَ النظريَّ المُتحدَّثَ
بِه في أجهزةِ الإعلامِ هو كونُ هذه المناطقِ ت تتأثرُ بالانصِداعاتِ الجيولوجيةِ الكائنة
تحت قِشرةِ الأرضِ والمُمتدةِ على مسافاتٍ كبيرةٍ مِن سلسلة الصدعِ الكبيرِ ، الذي
سبق أن تكوَّنت منه فجواتُ البحرِ الأحمرِ وما حولها في سابِق الزمانِ ، وأنّ هذه الزلازلَ
استمرارٌ طبيعيٌّ لهذه الظاهرةِ.
إذن فلا يُستبعَدُ أنَّ الذي أشارَ إليه ﷺ من تركِ
المدينةِ وهي يانعةُ الثِّمارِ حُصولُ شيء من هذه الانصِداعاتِ في آخِرِ الزمانِ بما
يُؤدِّي إلى خُروجِ أهلِها مِنها، واللهُ أعلمُ
وفي حديثٍ ذكرَه الحافِظُ في ( فتح الباري )
«٤/١٠٣» قالَ : ( تنبيه ) أنكرَ ابنُ عُمرَ
على أبي هُرَيرةَ تعبيرَه في هذا الحديثِ بقولِهِ : « خيرُ ما كانَت » وقال : إِنّ الصوابَ « أعمرُ ما كانَت » ، أخرجَ
ذلكِ عُمرُ بن شَبَّةَ في « أخبارِ المدينةِ » تاريخ المدينة لابن شبة
، من طريقِ مساحقِ بن عمرو أنَّه كان جالسًا عِندَ
ابنِ عُمرَ فجاءَ أبو هُرَيرةَ فقالَ له : لم ترُدَّ عليَّ حديثي ؟ فواللهِ لقد كُنتُ
أنا وأنتَ في بيتٍ حين قال النبي ﷺ : « يخرُجُ مِنها أهلُها خيرُ ما كانَت »
فقالَ ابنُ عُمرَ : أجل ، ولكن لم يقُلْ : « خيرُ
ما كانت » ، إنما قالَ : « أعمرُ ما كانت » . ولو قالَ : « خير ما كانت
» لكان ذلكَ وهو حيٌّ هو وأصحابُه ، فقالَ أبو هُرَيرةَ : صدقْتَ ، والذي نفسي بيدهِ
.
و روی مسلمٌ مِن حديثِ حُذيفةَ أنَّه لما سألَ
النبي ﷺ عمَّن يخرُجُ أهلُ المدينةِ منَ المدينةِ. (صحيح مسلم)،
ولِعُمَر بن شبَّةَ (في تاريخ المدينة) مِن حديثِ أبي هُريرةَ قِيل : يا أبا هُرَيرة ، مَن
يُخرِجُهم ؟ قالَ : أُمراءُ السُّوءِ . ( فتح الباري ،)
وأعجبُ ما في الأمرِ قولُ حُذَيفةَ رضي الله
عنه – وهو فقيهُ التحوُّلاتِ وأمينُ سِرِّ رسولِ اللهِ ﷺ في هذا العِلمِ – فيما رواه أحمدُ في مُسندِه
عن عبداللهِ بن يزيدَ عن حُذيفةَ أنَّه قالَ : أخبرني رسولُ الله ﷺ بمَا هو كائنٌ إلى
أن تقومَ الساعةُ ، فما مِنه شيءٍ إلّا قد سألتُه ، إلّا أني لم أساله ما يُخرِجُ أهلَ
المدينةِ من المدينة ِ. ( صحيح مسلم )
قال الإمامُ النوويُّ في شرح مسلمٍ عند قوله ﷺ
عن المدينةِ « لَيَتْرُكُنَّهَا أَهْلُها عَلى خَيْرِ مَا كَانَتْ مُذَلَّلَةً
لِلْعَوافِي » صحيح مسلم
: يعني السباع والطير ، وفي الرواية الثانية : «
يَتْرُكُونَ المَدِينَةَ عَلى خَيْرِ مَا كَانَتْ عليهِ لا يَغْشَاهَا إلّا
العَوَافِي » ، يريدُ : عَوَافِي السِّباعِ والطَّيْرِ، ثم يَخُرُجُ
رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ المدينةَ فيجِدَانِها وَحْشاً، حَتّى إذا
بَلَغَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ خَرَّا على وُجُوهِهِما. (صحيح مسلم)
أما (العوافي) فقد فَسَّرها في الحديثِ بالسِّباعِ والطَّيْرِ، وهو صحيحٌ في اللغةِ، وأما معنى الحديثِ الظاهرُ المختارُ : أنّ هذا التركَ للمدينةِ يكونُ في آخرِ الزمان، عند قيامِ الساعة، وتُوَضِّحُهُ قِصَّةُ الراعيينِ من مُزَيْنَةَ، فإنَّهُما يَخِرّانِ على وُجُوهِهِما حِينَ تُدْرِكُهُما الساعةُ، وهما آخِرُ مَن يُحْشَرُ كما ثَبَتَ في صحيح البخاريِّ، فهذا هو الظاهُر المختارُ.
وقالَ القاضي عِياضٌ : هذا ما جَرَى في العَصْرِ الأوَّلِ وانْقَضَى، وقال : وَهَذا مِنْ مُعْجِزَاتِ النبيِّ ﷺ، فَقَد تُرِكَتِ المَدِينَةُ على أَحْسَنِ ما كانتْ عليهِ حِينَ انْتَقَلَتِ الخلافةُ منها إلى الشامِ والعِراقِ، وذلك الوقتُ أَحْسَنُ ما كانتِ الدينُ و الدنيا، أما الدينُ فلِكَثْرةِ العلماءِ وكَمَالِهِم، وأمّا الدنيا فلِعِمَارَتِها وغِرَاسِها واتِّسَاعِ حالِ أهلِها، قالَ : وذَكَرَ الأخبارِيُّون في بعضِ الفتنِ التي جَرَتْ بالمدينةِ وخافَ أهلُها أنّه رَحَلَ عنها أكثرُ الناسِ وبقيتْ ثمارُها أو أكثرُها للعوافي، وخَلَتْ مُدَّةً ثُمّ تَرَاجَعَ الناسُ إليها، قالَ : وحالُها اليومَ قريبٌ مِن هذا، وقَدْ خَرِبَتْ أطْرَافُها…هذا كلامُ القاضي والله أعلم (شرح النووي على مسلم).
ولكن اعزائي المشاهدين لا يزالَ في مدلولاتِ هذه العلامة أمور عظام وهو ترك بعضِ المُدُنِ والعواصِمِ في آخر الزمان اكتبوا لنا في التعليقات رائيكم
لمشاهدة الفيديو كاملا